في شهر فيفري من سنة 2019 قال وزير الخارجية حينها خميس الجهيناوي في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية إن سياسة تونس في ما يتعلق بالهجرة واضحة، إذ أنها تحرص على حماية حدودها، ولا تسمح بأي هجرة غير شرعية لأوروبا حماية لأبنائها.
وأضاف الوزير “الحوار متواصل مع مختلف الأطراف، كدول وكمجموعة الاتحاد الأوروبي، للنظر في مقاربة للهجرة تتماشى مع الجانبين”.
هذا التصريح يترجم حجم الضغوطات التي تتعرض لها تونس من الجانب الاوروبي من أجل إيقاف نزيف الهجرة السرية لدول أوروبا عبر الشواطئ التونسية حيث تحولت البلاد لممر للألاف من المهاجرين السريين من مختلف الدول الافريقية ويتم أسبوعيا إحباط العشرات من الرحلات من طرف السلطات حتى تحولت تونس لمنصة غير رسمية للمهاجرين السريين و للمرحلين من الدول الاوروبية خاصة ايطاليا وفرنسا.
ولكن ماذا لو تصبح المنصة علنية ومقننة وتستفيد منها تونس؟
مع طول أمد الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها الخطيرة على الأمن الغذائي لعدد من الدول الافريقية يخشى خبراء أن تتحول جحافل المهاجرين السريين الى جحافل معلنة بحثا عن الغذاء في أوروبا عبر البوابة البحرية التونسية وهي هجرة للضرورة ولايمكن معالجتها بالأساليب الامنية الحالية حيث من الضروري ايجاد أرضية تفاهم أساسها المصلحة المشتركة بين تونس والجانب الاوروبي هاته الهجرة.
ان تونس بإمكانياتها الحالية ومع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها لن تكون مضطرة لمنع المتسللين عبر مياهها الاقليمية من مختلف الجنسيات نحو أوروبا فضلا عن الالاف من مواطنيها.
وهي ترفض أن تتحول الى مكان ايواء لهؤلاء ولايمكنها أن تلعب دور الحارس للمياه الاقليمية الاوروبية دون أجر وأجر مجز أيضا.
وهذا ما يجب أن يطرح في المفاوضات بين الجانبين اذ لا مناص من التوصل لاتفاق اقليمي شامل في الحوض الجنوبي للمتوسط تلعب فيه تونس دور محوريا في التصدي للهجرة السرية و ايواء من يتم احباط رحلاتهم او المرحلين في مخيمات لجوء مدفوعة الأجر. بالتوازي مع منح تونس اموالا اوربية مباشرة بعنوان حماية الحدود الاقليمية.
مصالح وليس ابتزازا
ينظر الأوروبيون دوما الى تعامل تركيا مع ملفّ اللاجئين الراغبين في دخول أوروبا أو حتى المهاجرين السريين على أنه ابتزاز متواصل على مدى سنوات حيث تجني أنقرة مليارات الدولارات وواليوروات مقابل حراسة الحدود الاوروبية من جهة تركيا. ومع كل أزمة تركية أوروبية تلوّح أنقرة بورقة المهاجرين حتى تحوّل الامر الى ابتزاز وسياسة إقتصادية لطالما أنقذت الليرة التركية من التهاوي.
فما تجنيه تركيا من هؤلاء المقيمين الغير شرعيين على أراضيها أكبر بكثير مما تصرفه عليهم.
هذه المقاربة من الممكن أن تكون ذاتها أو تستنسخها تونس اذ لابد أن تقود مفاوضات جدية مع الاوروبيين على قاعدة المصلحة المشتركة في هذا الملف الشائك ويمكن ان تستثمره السلطات التونسية لصالحها.
اذ لم يعد مقبولا أن تضحي تونس بأمنها و استنزاف طاقاتها الامنية والعسكرية لحماية حدود أوروبا مقابل كلمة شكرا.
اليوم محمول على الحكومة التونسية ان تقول كلمتها في هذا الملف الحارق الذي سيزداد حرقة مع موجات الهجرة المتوقعة بحثا على الغذاء فهي أمام فرصة تاريخية لابد من استثمارها.