من الواضح أن حرب روسيا على أوكرانيا ليست مجرّد حرب تقليدية و هي لن تكون نووية و لاعالمية بالمفهوم التقليدي انمّا هي حرب مخابراتية بل هي حرب قذرة باقية و تتمدّد ربمّا تكون بلاطات الرؤساء منطلقها باستعمال الملفات او حتى افتعالها مثلما يشي بذلك الصراع المعلن بين الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وقد يكون ذلك شرارة هذه الحرب التي نتحدّث عنها.
البداية كانت جونسون الذي اعتبر في روسيا خاليا من اللباقة حينما قال “لو كان بوتين إمرأة لما غزا اوكرانيا ” ليجيء الردّ البوتيني سريعا عبر أذرعه المخابراتية حينما سربت وثائق ومعلومات تكشف بأن جونسون كان جاسوسا لروسيا منذ أربعين عاما .وتزعم الوثائق أن الاستخبارات الروسية “الكيه جى بى” جندته عندما كان عمره 16 عاما وهو لا يزال يحمل الجنسية الامريكية كامتداد لعمل والده الذي كان عميلا للاستخبارات الروسية الذي جند بواسطة والدته الروسية الأصل .
وتضمنت الوثائق المسربة ان الضابط السابق في الاستخبارات الروسية اسكندر لبيبيديف كان المسؤول عن استلام المعلومات الاستخباراتية من الشاب بوريس جونسون وتسليمها للاستخبارات الروسية . وبدأ اختراق الروس للاستخبارات البريطانية حينما حصل ليبيديف على الجنسية البريطانية وانشأ سريعا إمبراطورية تجارية واعلامية في لندن ثم قام بتوظيف جونسون كمراسل صحفي في جريدته اليومية ( بريطانيا المساء) .
هدف الدب الروسي و نهمه لن يتوقف عند تفكيك أوكرانيا انما سيتعدّاه الى تفكيك أوروبا و الولايات المتحدة الامريكية أيضا
وتؤكد الوثائق أنه حتى بعد تولي جونسون وزارة الخارجية البريطانية كان يلتقيه مجنّده في قلعة يملكها اسكندر في ايطاليا بشكل سري وكذلك خلال توليه منصب عمدة لندن.
كما تضمنت الوثائق المسربة معلومات تؤكد بأن عشيقة بوريس جونسون وزوجته الحالية كاري جونسون كانت هي الاخرى عميلة للاستخبارات الروسية وكذلك صديقه المقرب ايفجيني ليبيديف والذي عينه جونسون عضوا في مجلس اللوردات البريطاني بعد ان أصبح رئيسا للوزراء وقد كان أحد أهم الوسطاء في نقل المعلومات بين جونسون والاستخبارات الروسية .
وتضمنت التسريبات أيضا بأن بوريس جونسون حاول الحصول على ملفه في الاستخبارات الروسية لطمس تاريخه كعميل لها أكثر من مرة بعد وصوله الى رئاسة الوزراء ولكنه فشل في ذلك بتعليمات شخصية من الرئيس الروسي فلادمير بوتن وهو سرّ العداء الشديد بين الرجلين .
ونتيجة لذلك التسريب شكّل مجلس العموم البريطاني على عجل لجنة تحقيق وتواصل مع بوريس جونسون كان نتيجتها اندلاع حملة شرسة ضده في أوساط حزب المحافظين و اجباره علي تقديم استقالته.
الحرب الأوكرانية الروسية لن تنتهي سريعا انما هي مجرّد بداية لحروب أخرى قد تغير النظام العالمي
وفي الجانب الاخر اصدر بوتن قرارا قضى بتأميم منشاة وخط سخلين للغاز المسال الذي تمتلك شركة شال البريطانيا بنسبة 20% منه مما أدى الى مضاعفة أزمة الغاز في بريطانيا وارتفاع جنوني غير مسبوق في اسعاره.
كما بدأت الاستخبارات الروسية بتعليمات من بوتين في دعم الحركات الانفصالية التي بدأت تظهر في اسكتلندا و المطالبة بالانفصال عن بريطانيا وانضمامها للاتحاد الاوروبي .
وحينما نعلم أن 90% من النفط البريطاني والغاز متأتي من اسكتلندا نفهم أن بوتين يسعى من وراء دعم الانفصاليين الى تدمير بريطانيا بعد تدمير جونسون.
ما حصل من بوتين مع رئيس الوزراء المجبر على الاستقالة يمثل انذارا قويا من القيصر الروسي لقادة أوروبا و من المؤكّد أن الروس سيواصلون التحرّش بالدول الأوروبية لجرها لهاته الحرب القذرة و التي تدار بالملفات و الاستخبارات كما قلنا .و دمارها أشدّ و أقوى .
وكما أشرنا في بداية الحرب الروسية الأوكرنية فان هدف الدب الروسي و نهمه لن يتوقف عند تفكيك أوكرانيا انما سيتعدّاه الى تفكيك أوروبا و الولايات المتحدة الامريكية أيضا.وهنا نفهم وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن لبوتين بمحرم حرب مرتين و بالجزار مرة حيث أن المخابرات الأمريكية التي خبرت الروس جيدا خلال الحرب الباردة وتفوقت عليها أخيرا بتفتيت الاتحاد السفياتي تعرف أن بوتين لم ينس ولن ينسى ذلك و سيسعى بكل ما أوتي من قوة لردّ الصاع صاعين للولايا المتحدة الامريكية و لأوربا .
هي حروب داخل حرب تدار بالسياسة و المخابرات و المال و الغاز قبل الأسلحة.
و الحرب الأوكرانية الروسية لن تنهي سريعا انما هي مجرّد بداية لحروب أخرى قد تغير النظام العالمي .