تعدّ ولاية قفصة بمدنها المختلفة حضارة بأكملها فهي سليلة الحضارة القبصية التي ظهرت بين 10.000 و6.000 سنة .
و يجمع المؤرخون على أن قفصة هي بوابة الصحراء وأقدم مدينة في القارة الافريقية، إذ أن هذه المدينة كانت تعدّ مركز الحضارة في افريقيا و سكانها كانوا ميّالين للسلام محبين للعدل مقاومين للاستبداد ومنقطعين إلى العلم والزراعة والصناعة. وتسميتها هي اشتقاق عربي للتسمية اللاتينية (capsa) .
وتعاقبت على قفصة عديد الحضارات الأخرى أبرزها القرطاجنية . وبعدما احتل الرومان قفصة في القرن الثاني قبل الميلاد نمت المدينة لتتحول إلى ولاية. وتم تشييد حوضين كبيرين يعرفان اليوم بالأحواض الرومانية تحيط بها جدران عالية مبنية بحجارة كبيرة الحجم ويتم تمويلها بينابيع طبيعية وتستعمل مياهها لري الواحة القريبة.
وفتحت قفصة على يد القائد العربي حسان بن النعمان وأستخدمت كعاصمة لإقليم شاسع يعتبر ثالث اقليم في افريقية .
و تعتبر قفصة من أكثر المدن قدما في البلاد وقد نمت بشكل متسارع بعد أن تم اكتشاف الفسفاط في ربوعها على يد فيليب توماس سنة 1885. وقد كان لها الدور الحاسم في تحصّل تونس على استقلالها و شكّلت لماضي غير بعيد قطبا اقتصاديا هاماّ.
لكن ما الذي حدث؟ ولماذا تمّ استهداف مدن الحوض المنجمي من طرف النظام السابق ؟ و لماذا لايزال التدمير الممنهج للولاية مستمرّا ؟
قفصة البقر الحلوب بقرنين…
منذ الاستقلال كان ينظر لقفصة على أنها بقرة حلوب تدرّ أموالا ضخمة من العملة الصعبة من عائدات الفسفاط وتمّ استنزاف الشركة الوحيدة بالجهة تقريبا دون أن يتمتع القفاصة” بالخيرات الحقيقية لثروتهم و تمّ الضحك عليهم بالتوظيف لاغير أمّا الأموال الحقيقية فقد كانت تذهب للوبيات السياسة من بن علي الى الاخوان ووللوبيات الفساد الذين عاثوا في مختلف وحدات انتاج ونقل الفسفاط فسادا.وهو ما فجّر شرارة الثورة التونسية في مدن الحوض المنجمي سنة 2008 والتي فيها رفع شعار”إما المنجم وإما الهجرة وإما الموت” و الذي زلزل السلطة واستعملت كل الأساليب الوحشية لقمع التظاهرات التي استغرقت ثلاثة أشهر .
ويبدو أن الحكّام الجدد بعد الثورة وعلى امتداد العشرية الأخيرة لم يكن يعنيهم كثيرا ملف التنمية وانّما كان همّهم مواصلة استنزاف الولاية و تحميلها وزار الاقتصاد التونسي كاملا .لكن النتائج جاءت عكسية حيث شلّ قطاع الفسفاط كلّيا
و لم يتجاوز معدل الانتاج خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2020 نحو 3.5 ملايين طنّ سنويا مقابل إنتاج 8.3 ملايين طنّ عام 2010.
وبلغت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الخام ما قدره 4% سنة 2008 ثم تقلصت إلى حدود 1.2% سنة 2011، ثم واصلت تراجعها في السنوات التالية لتصل لحدود 0.5 %.
وبعد أن كانت تونس تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد المغرب في إنتاج الفوسفات سنة 2010، وفق تقرير الاتحاد العربي للأسمدة، أصبحت اليوم غير مُصنفة .
“باريس الصغرى” لم تعد كذلك
كانت مدينة المتلوي تعدّ لوقت قريب من أهمّ المدن في قفصة وفي تونس وكانت تلقّب ب “باريس الصغرى” وكانت سبّاقة في فتح قاعة سينما ومسبح وملاعب تنس.أمّا في العشرية الأخيرة فقد انقلب حال المدينة و أصبحت تعجّ بالعاطلين عن العمل بسبب المحاباة في اسناد الوظائف في شركة فسفاط قفصة و بسبب الفساد في المناظرات .
وقد اختنقت المدينة دون أن تحرّك السلطة المركزية ساكنا لإنقاذ المتساكنين وتواصل استنزاف ثرواتها .
جريمة دولة في حق قفصة
ما أرتكب في حق ولاية قفصة خلال العشرية يرقى لمستوى جريمة الدولة فقد تم تدمير الرئتين اللتان تتنفس بهما الولاية و يتنفس بهما الاقتصاد التونسي و ليس صحيحا ما يشاع كل مرّة بأنّ “القفاصة” دمّروا شركتهم و دمّروا الاقتصاد الوطني فالكل يعرف أن أغلب الاحتجاجات التي عطّلت الانتاج انما كانت تدار من وراء الستار و في مكاتب الأحزاب في تونس العاصمة و التقارير الأمنية أثبتت مرارا أن القائمين بالشغب و المعطلين للإنتاج هم من خارج قفصة ومدفوعي الأجرمن بارونات الفساد وبغطاء من السياسيين.
فالأولى أن تعتذر الدولة التونسية لولاية قفصة و تعيد لها الاعتبار مع ضرورة وضع استراتيجية واضحة لتحكّم الولاية في ثروتها .
لقد بات واضحا بأنّ خلاص الاقتصاد التونسي يكمن في اعادة خط الانتاج من الفسفاط لسالف عهده وهذا لن يتم سوى بمصالحة شاملة مع أهالي قفصة الغاضبون ممّا فعلت بهم الأنظمة من بورقيبة الى بن علي .
والناقمون بسبب ما فعله بهم الاخوان .و المتفائلون خيرا-الى حين- بالرئيس سعيد خاصة بعد مسكه بكل دواليب السلطة.
ابرازات
*منذ الاستقلال كان ينظر لقفصة على أنها بقرة حلوب تدرّ أموالا ضخمة من العملة الصعبة من عائدات الفسفاط
*”إما المنجم وإما الهجرة وإما الموت” الشعار الذي زلزل الأرض من تحت أقدام نظام بن علي
* كانت مدينة المتلوي تعدّ لوقت قريب من أهمّ المدن في قفصة وفي تونس وكانت تلقّب ب “باريس الصغرى”
* ما أرتكب في حق ولاية قفصة خلال العشرية يرقى لمستوى جريمة الدولة
* لقد بات واضحا بأنّ خلاص الاقتصاد التونسي يكمن في اعادة خط الانتاج من الفسفاط لسالف عهده وهذا لن يتم سوى بمصالحة شاملة مع أهالي قفصة الغاضبون ممّا فعلت بهم الأنظمة من بورقيبة الى بن علي .والناقمون بسبب ما فعله بهم الاخوان .و المتفائلون خيرا-الى حين- بالرئيس سعيد خاصة بعد مسكه بكل دواليب السلطة.