هي عاصمة الجنوب و هي يابان تونس وهي عاصمة الثقافة العربية سنة 2016.وهي«أسفاكس» الأمازيغية أو المدينة المحروسة و المحصّنة.
انّها صفاقس التي كانت لوقت قريب تختزل هاته التسميات لكن لم يعد حاضر الولاية كماضيها و انطلقت مأساتها منذ أكثر من ثلاث عقود لتتعمّق في السنوات الأخيرة بعد أن أدارت لها الحكومات المتعاقبة ظهرها.
نعم صفاقس تعيش مأساة وتدميرا ممنهجا وهي ضحية مؤامرات منعتها من لعب دورها الاقتصادي و السياسي في تونس.
لكن قبل الخوض في تفاصيل المؤامرة لابد من اطلالة سريعة على ما جعل صفاقس صفاقس عاصمة دون حقيبة و حقائب السرّاق ملآنة بخيراتها.
تعدّ صفاقس ثاني أهم مدينة صناعية في تونس وثاني أكبر ولاية من حيث عدد السكّان بمليون و200ألف نسمة. ومن أهم صناعاتها الفوسفات والصوف والجلود وتتميز أيضا بزراعة الزيتون واللوز وبصيد الأسماك.
لصفاقس موقع استراتيجي حيث تطلّ على البحر الأبيض المتوسّط ومن أهمّ مدنها جزيرة قرقنة و طينة و المحرس وعقارب وجبنيانة و الحنشة كما تحتوي مدينة رومانية كاملة لاتزال تحتفظ باسمها الى اليوم اسمها “طينة”.
ويعدّ قطاع النسيج و الأحذية من الصناعات التي ميّزت صفاقس على امتداد عقود و سنوات غير أن هذا القطاع تمّ تدميره في حكومات النهضة و شركائها في العشرية الأخيرة وذلك بفتح المجال و الامتيازات للتوريد العشوائي و الصفقات التجارية المشبوهة مع تركيا .و يمكن اعتبار الولاية الأكثر تضرّرا من هاته السياسة فقد تم اغلاق المئات من المصانع الصغرى و المتوسطة في الجهة وفقد الالاف مواطن شغلهم وهو ما خلق أزمة اجتماعية و رفّع في نسب البطالة .
صفاقس الولاية المنكوبة..من مصنع الموت الى أزمة النفايات
حتى في غياب أرقام رسمية و علمية دقيقة تعدّ ولاية صفاقس جهة منكوبة بسبب ارتفاع نسبة التلوّث حيث شيّد فيها مصنع “السياب” الذي يلقبه البعض بـ”مصنع الموت“ و المنتصب على الشريط الساحلي الجنوبي للمدينة صفاقس على مساحة بـ5600 هكتار، وقد انطلق في نفث سمومه منذ سنة 1952 الى شهر أوت 2019تاريخ اغلاقه نهائيا لكن يقول خبراء أن تداعياته ستستمر لسنوات أخرى .
وقرار الغلق أتخذ منذ سنة 2008 وتم الشروع في ذلك أواخر سنة 2010 من خلال الانطلاق في تسوية الوضعيات الاجتماعية للعمال والإطارات. ولكن التحول السياسي الذي شهدته البلاد حال دون تواصل هذا المسار. وفي نفس السياق وعدت جل الحكومات، التي تعاقبت منذ سنة 2011، بغلق مصنع السياب. لكن لوبيات مالية في العاصمة استغلت نفوذها في الدولة للحيلولة دون الاسراع في تخليص السكان من هاته السموم وهم أساسا شبكة من المناولين تربطهم معاملات مالية ضخمة بهذا المصنع من خلال مقاولات نقل الفسفاط والصيانة والمناولة باليد العاملة.
وما ان بدأ السكان في صفاقس باستنشاق هواء نقي حتّى تفجّرت أزمة أخرى أشدّ خطورة متمثلة في اغراق المدينة بأطنان من النفايات المنزلية وانطلقت الازمة منذ منتصف السنة الفارطة و الى اليوم لم يقع التوصل لحلّ وكادت تتسبب في حرب اهلية بين مختلف جهات الولاية بسبب رفضها دفن النفايات مثلما حدث في مدينة عقارب الصائفة الفارطة.
ورغم نداءات الاستغاثة من المواطنين و الجمعيات البيئية والمجتمع المدني لمطالبة سلطة الاشراف بالقيام بدورها في توفير مصب لهذه النفايات الا ان الحال بقي كما هوعليه بل انه يزداد سوء يوما بعد يوم.
وغياب حل وطني حكومي يؤكّد مدى التهميش والظلم ويشعر”الصفاقسية” بالضيم و بلهيب الجهويات خاصة مع غياب الارادة السياسية للحكومات المتعاقبة على تحويل المشاريع الكبرى من حلم الى واقع ملموس يرد الاعتبار للعاصمة الاقتصادية بالبلاد التونسية فضلا عن اعتماد سياسة التجاهل والتقزيم المتواصل للجهة .
وتضاف جبال النفايات في صفاقس الى جبال الفوسفوجيبس التي لازالت قائمة تروي معاناة أجيال وأجيال من الهواء الملوث الذي يستنشقونه .
اليوم وبعد اجراءات 25جويلية 2021 لم يعد مقبولا مواصلة سياسة التهميش و التدمير الممنهج لولاية صفاقس وعلى كل الذين أجرموا في حقّ هذه الجهة أن يدفعوا ثمن ذلك .
وعلى الحقوقيين و المحامين من أبناء الجهة ومن الوطنيين الصادقين تتبّع هؤلاء قضائيا فالولاية تعرّضت لأكبر عملية تحيّل و اغتيال في تاريخ البلاد وعليهم أن يحاكموا بتهمة القتل العمد لحوالي مليون و نصف نسمة وبتهمة تدمير مدينة تعدّ ثاني مدينة صناعية في تونس و العاصمة الاقتصادية قبل أن يحولوها الى عاصمة منكوبة.